ادعمنا

الاختفاء القسري - Enforced disappearance

يشكل الاختفاء القسري أحد الوسائل القمعية غير المشروعة الذي تمارسه أجهزة الدولة في مواجهة وملاحقة مواطنيها وخصومها السياسيين، والذي مازال يمارس حتى وقتنا الحاضر، بالرغم من وضعه على قائمة الجرائم الدولية المحظورة؛ لما يشكله من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

 

تعريف الاختفاء القسري:

التعريف اللغوي: يتكون مصطلح الاحتفاء القسري من شقين: كلمة اختفاء ومصدرها اختفى، اختفى عن واختفى من، وكلمة قسرًا، وتعني لغويًّا المعاملة بالقس، بالإكراه وبالقهر.

التعريف الاصطلاحي: ورد تعريف الاختفاء القسري في نص المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، حيث نصت المادة على: "لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد بـ’’ الاختفاء القسري‘‘ الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو الأشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون." 

فيما عُرف الاختفاء القسري في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية على أنه:" إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بالسكوت عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصير أو أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة طويلة".

 

أركان جريمة الاختفاء القسري:

 تحتوي كل جريمة على أركان تسهم في تعزيز وثبوت ارتكاب هذه الجريمة، ونظرًا لكون جريمة الاختفاء القسري جريمة دولية تمارس غالبًا من أجهزة قمعية تنتمي للدولة أو من جهات أو منظومات سياسية تدعمها الدولة، ونظرًا لأن كل جريمة تتكون من عنصر مادي يتمثل في الفعل والنتيجة ووجود العلاقة السببية بينهما وكذلك الركن المعنوي المتمثل بالعلم والإرادة (القصد الجنائي)، كان تحليل أركان جريمة الاختفاء القسري يقوم على وضع الدولة تحت عدسة المجهر لمعرفة مدى مساهمتها في تحقيق هذه الأركان أو دعمها لمن يقوم بها؛ ولهذا الغرض فقد حددت جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أركان جريمة الاختفاء القسري على أنها:

1- الركن الأول، أن يقوم مرتكب جريمة الاختفاء القسري بإلقاء القبض على شخص أو أكثر أو احتجازه أو اختطافه، وأن يرفض الإقرار بقبض أو احتجاز أو اختطاف هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم. 

2- الركن الثاني للجريمة أن يعقب هذا القبض أو الاحتجاز أو الاختطاف رفض الإقرار بحرمان هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم وعن أماكن وجودهم وأن يسبق هذا الرفض الحرمان من الحرية أو يتزامن معه.   

3- الركن الثالث، يتعلق بمدى توافر القصد الجنائي المتمثل بالعلم؛ أي أن يعلم مرتكب الجريمة أن إلقاء القبض على هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم سيليه في سير الأحداث العادية رفض الإقرار بحرمانهم من الحرية أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو مكان وجودهم.

4- الاختفاء القسري جريمة دولية تمارس من قبل أفراد يتمتعون بالسلطة فتمثلت باقي أركان الجريمة في أن تقوم بهذا القبض أو الاحتجاز أو الاختطاف دولة أو منظمة سياسية أو يتم بدعم منها مع رفض الإقرار بحرمان هذا الشخص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن مكان وجودهم بالإضافة إلى حرمان الشخص من الحماية القانونية المكفولة له قانوناً.

5- الإقرار بارتكاب هذه الجريمة فهناك رفض الإقرار بأنه قد تم حرمان هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن مكان وجودهم،  ويتم ذلك من قبل الدولة أو منظمة سياسية أو بإذن أو دعم أو إقرار منها.

6- النية المصاحبة لارتكاب الجريمة؛ أي أن  ينوي مرتكب الجريمة منع الشخص أو الأشخاص من الحماية التي يكفلها القانون لفترة طويلة من الزمن.

7- النمطية؛ أي أن يُرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين.

8- أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك جزء من ذلك الهجوم.

 

عقوبة جريمة الاختفاء القسري: 

تنص المادة 4 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري على أن:"تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة لكي يشكل الاختفاء القسري جريمة في قانونها الجنائي."

وبذلك تعتبر جريمة الاختفاء القسري جريمة جنائية يتحمل مرتكبها المسؤولية الجنائية، ومن ثم تحمله للعقوبات الواردة في القانون الجنائي. 

كما تنص المادة 7 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري على: 

١- تفرض كل دولة طرف عقوبات ملائمة على جريمة الاختفاء القسري تأخذ في الاعتبار شدة جسامة هذه الجريمة. 

٢- يجوز لكل دولة طرف أن تحدد ما يلي:

- الظروف المخففة، وخاصة لكل من يساهم بفعالية، رغم تورطه بارتكاب جريمة الاختفاء القسري، في إعادة الشخص المختفي وهو على قيد الحياة، أو في إيضاح ملابسات حالات اختفاء قسري، أو في تحديد هوية المسؤولين عن اختفاء قسري، مع عدم الإخلال بإجراءات جنائية أخرى.

- الظروف المشددة وخاصة في حالة وفاة الشخص المختفي أو إزاء من تثبت إدانتهم بارتكاب جريمة الاختفاء القسري في حق نساء حوامل، أو قصر، أو معاقين، أو أشخاص آخرين قابلين للتأثر بشكل خاص.

 

الحقوق المنتهكة في أثناء عملية الاختفاء: 

اعتبار الاختفاء القسري جريمة يقوم على فرضية أن تلك الجريمة تؤدي إلى انتهاك حقوق إنسانية تكفلها القوانين لذلك كان في تجريمها منع لحصول مثل تلك الانتهاكات، وتتمثل الحقوق المنتهكة نتيجة لارتكاب جريمة الاختفاء القسري في حق الفرد بالاعتراف بشخصيته القانونية، فإخفاء الشخص يعني إخفاء تلك شخصية المعترف بها قانونًا، ونتيجة ذلك الاختفاء القسري هي حرمان الشخص كذلك من حريته وأمنه، وقد يتعرض للتعذيب أو لضرب من ضروب المعاملة القاسية وفي ذلك انتهاك لحق إضافي وهو حقه في عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقد ينتج عن مثل هذا التعذيب الموت وفي ذلك انتهاك لحقه في الحياة فيصبح الإنسان دون هوية ودون ضمانات قضائية ومحاكمة عادلة وإنصاف فعّال، وأي جبر أو تعويض، ودون معرفته لماذا يتم إخفاؤه وما هي حقيقة اختفائه.. وبإخفائه يصبح في عزلة عن العالم الخارجي فيُحرم من حقه في التعليم وفي الصحة، ويمتد أثر هذه الانتهاكات ليطال أسرته فيعجز عن توفير الحماية والمساعدة لهم وعن تأمين مستوى معيشي مناسب.

وبالرغم من تجريم الاختفاء القسري وفرض عقوبات عليه إلا أنه لا زال يمارس حتى اليوم في بقاع مختلفة من العالم وما زالت المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية ترصد وقائعه، هذا وقد أصبح بذلك يوم 30 أغسطس اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري. 

 

 

 

المصادر والمراجع:

معاجم الوجيز، معنى اختفاء قسري في معاجم اللغة العربية، دون تاريخ، تاريخ آخر دخول 2021/10/14 الساعة 19:54

قرار الجمعية العامة رقم A/RES/61/177، الصادر في 2016/12/20

تقرير جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي في المحكمة الجنائية الدولية الدورة الأولى، نيويورك، رقم ICC-ASP/1/3، الصادر في 2002/09/10،

د. محمود شريف بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان (المجلد الأول)، دار الشروق، الطبعة الأولى، 2003م. 

الأمم المتحدة، اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري 30 أغسطس

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia